3 كانون الاول (ديسمبر)
يجري الطقس في دورة ثابتة من ستة ايام ـ يومان من الصحو، يوم غائم، يومان أو ثلاثة ايام ماطر، وبعدها يعود الصحو. احاول الافادة من كل يوم قدر المستطاع.
ان المواضيع السامية التي تحيطني لا تفقد قط جدّتها. فانا لم اشب واترعرع وسطها. ولم انتزع منها مكنون اسرارها. ان بعضها يجذبني بقوة جبارة تدفعني، احيانا، الى اللامبالاة ازاء غيرها، أو حتى الاجحاف بهذا الغير. وعلى سبيل المثال فانني مفتون بالبانثيون وابوللو بيلفيدري، ورأسين من تماثيل من العمالقة، ومصلى سيستين، افتتاناً لا أرى معه سواها. ترى كيف يتسنى لنا، نحن الصغار، المعتادين على الصغار، ان نضارع مثل هذا الكمال السامي؟ وحتى حين يتكيف المرء الى حد معين، فان كتلة هائلة من الاشياء الجديدة تحتشد وتنيخ بكلكها عليه، وتواجهه في كل خطوة يخطوها، مطالبة، كلاً على انفراد، بحقها ونصيبها من انتباهه. كيف السبيل في هذه المتاهة؟ ما من سبيل سوى ان يدع المرء سائر هذه الاشياء تنمو وتترعرع، بالتدريج، داخل روحه، وان يعكف على دراسة ما كتبه الآخرون عنها دراسة عميقة.
اقتنيت في الحال الطبعة الجديدة من كتاب فينكلمان: تاريخ فن العصور القديمة، ترجمة فيا. درجت اقرأ منه في موضع تأليفه، فاسعفني كثيرا هو وصحبة الفنان الضليع، العارف، رهن المشورة.
اخذ التاريخ الروماني القديم يمدني بمتعة توازي متعة التاريخ الاغريقي. وان التواريخ، والنقوش والعملات التي لم اكترث بها حتى الساعة، باتت تفرض نفسها عليّ، وتنتزع انتباهي. وان تجربتي مع التاريخ الطبيعي تتكرر هنا بحذافيرها، لأن مجمل تاريخ العالم يرتبط بهذه المدينة، وانني لاعتبر ان حياتي الثانية، مولدي الجديد وانبعاثي، انما بدأ يوم دخولي الى روما.