25 كانون الاول (ديسمبر)
شرعت الآن في معاينة خير الاشياء للمرة الثانية. فانقلاب اعجابي الاول الى احساس بالألفة، يكسبني قدرة اوضج على تقدير قيمتها. ان سبر اغوار ما ابتدعته يد الانسان، يتطلب اولا ان تفوز الروح بحريتها التامة.
ان الرخام مادة خارقة. ويمنحنا ابوللو بلفيديري هذا الفيض من المتعة بفضل الرخام لا غيره. فنضارة الشباب السرمدية، التي يمتاز بها التمثال الاصلي، تخبو في الحال حتى في احسن نماذج الجبس.
يحوي قصر بالازو روندانيني، الواقع قبالة تمثال ابوللو، قناعاً لميدوزا بحجم اكبر من الحجم الطبيعي، يصور صلابة الموت المفزعة تصويراً بديعاً. وامتلك نسخة من الجبس عن هذا القناع، لم يبق فيها شيء من فتنة الاصل. ان الرخام المائل للصفر، الذي يقارب لون البشرة، يمتاز بالسمو والشفافية. أما الجبس، بالمقابل، فيبدو طبشوراً هامداً. مع هذا، أية متعة يستمدها المرء حين يدخل ورشة صانع القوالب، ويرى الى الاطراف البديعة للتماثيل وهي تشرئب من القوالب، الواحدة بعد الاخرى. ان هذه القوالب تمدني بنظرات جديدة تماما الى الاجساد. فسائر التماثيل المبثوثة في ارجاء روما، تصطف هنا جنباً الى جنب. وهذا مثمر لاغراض المقارنة. ولم اقو على صد اغراء شراء نسخة مصبوبة من رأس جوبيتر العملاق. وينتصب الرأس الآن جوار فراشي، في ضوء حسن، حتى استطيع ان ابتهل اليه بصلاتي عند طلوع الصباح. وعلى جلال جوبيتر وسموه، فقد كان سبباً وقوع حادث هزلي.
حين تأتي صاحبة النزل لترتب اغطية الفراش، تصحبها، في العادة، قطتها المفضلة. كنت جالساً في صالة النزل حين سمعت صوتها في غرفتي. بغتة، انفتح باب غرفتي ـ لن اقول في عجلة وهياج فهذا اقل من مقامها ـ ودعتني الى ان اسرع لأرى المعجزة. ولما استفسرت عن جلية ما حصل، اجابت ان قطتها تتعبد ابانا الرب.
كانت السيدة قد لاحظت، منذ فترة، ان لهذه المخلوقة فطنة المسيحي، مع ذلك كان حصوله معجزة. هرعت الى الغرفة لأرى بنفسي، فوجدت معجزة بحق. ان التمثال النصفي لجوبيتر موضوع على مسند عال، ولما كان جسد التمثال مبتوراً عند ادنى الصدر، فان الرأس يقارب ملامسة السقف. كانت القطة قد وثبت الى المسند، وانشبت مخالبها على صدر الإله جوبيتر، ومطت نفسها حتى لامس خطمها لحيته المقدسة، وراحت تلحس اللحية، غافلة عن صيحات اعجاب صاحبة النزل أو عن دخولي.
لم اشأ ان افسد على المرأة الطيبة حماستها بان اقدم لها تفسيري الخاص لهذه التقوى السنورية الغريبة. ان للقطط حاسة شم حادة، ولعلها التقطت رائحة الشحم العالق بالتمثال من قالبه، وبخاصة بقايا الشحم التي تشبعت بها طيات ومفارق لحية جوبيتر.