13 كانون الثاني (يناير)




اتزود في كل يوم بالكثير مما اقصه عليكم، وتعترضني كل يوم مشاغل وتوزعات شتى تمنعني من تدبيج كلمة واحدة ذات معنى على الورق. زد على هذا، ان الايام تزداد برودة قارصة، وان كل الامكنة رحيمة عدا الغرف التي تخلو من موقد أو مدفأة، ولا تصلح إلا للنوم أو للشعور بالضيق. مع هذا ثمة احداث تخللت الاسبوع الفائت ولا ينبغي ان تمر من دون تسجيل.

ينتصب في قصر بالازو جيوستينياني تمثال منيرفا الذي اكن له اكبر الاعجاب. قلما يشير فينكلمان الى هذا التمثال، وحين يفعل، يورده في السياق المغلوط. غير اني لا اشعر اني على قدر كاف من الاهلية لقول شيء بصدده. اطلنا الوقوف ناظرين الى التمثال، حتى جاءت زوجة السادن لتخبرنا انه كان ذات يوم نحتاً مقدساَ. وان الانجليز، كما تقول بالايطالية، الذين ينتمون الى هذه الديانة نفسها، مايزالون يفدون لعبادة التمثال وتقبيل احدى يديه. (الحق ان احدى اليدين بيضاء، أما بقية التمثال فذات لون مائل الى البني.) ومضت الى القول ان رئيسة هذا المعتقد الديني زارت هذا المكان مؤخراً، وخرت راكعة ساجدة امام التمثال. أما هي، زوجة السادن، فقد وجدت هذا السلوك، باعتبارها مسيحية قويمة، غريباً، مضحكاً، ما دفعها الى الاسراع بالخروج لئلا تنفجر من الضحك. ولما رأت اني ملازم التمثال ولا اقوى على فراقه ايضا، سألتني ان كانت لي حبيبة تشبه صاحبة التمثال. ان العبادة والحب هما كل ما تفقهه هذه المرأة الطيبة في الدنيا؛ أما الاعجاب المنزه عن الغرض بعمل سام من اعمال الفن، والتقدير الاخوي لروح انسانية اخرى، فخارج عن نطاق تفكيرها اطلاقا. وسررنا لسماع حكاية السيدة الانجليزية، ومضينا ممتلئين رغبة في العودة قريباً. ان اراد اصحابي الاستزادة مني عن الاسلوب السامي للاغريق، فوصيتي لهم ان اقرأوا ما يقوله فينكلمان بصدده. انه لا يذكر هذه المنيرفا في مناقشاته، لكن هذا النحت، ان لم اكن مخطئاً، هو من الامثلة الاحدث عهداً عن الاسلوب المتقشف في لحظة تحوله الى اسلوب الجمال: فالبرعم يوشك ان يتفتح. وهذا الاسلوب الانتقالي يوائم شخصية مثل منيرفا.

اليكم، الآن حكاية مدوية من صنف آخر! في يوم عيد الغطاس (أو الظهور)، الذي يحتفي بزف البشارة الى الوثنيين، توجهنا الى مجمع التبشير. وسمعنا هناك، بحضور ثلاثة كرادلة، وحشد غفير اول خطاب يطرق هذا الموضوع: في أي موضع استقبلت مريم العذراء حكماء المجوس؟ في اسطبل؟ وان لم يكن هنا، فأين اذن؟ تليت بعد ذلك قصائد باللاتينية على موضوعات مشابهة، بعدها تتالى علينا نحو ثلاثين دارس علوم دينية ليلقوا على مسامعنا، الواحد بعد الآخر، قصائد قصاراً، كل بلغته الأم: المالا بارية والابيروتانية، التركية، والموالدافية، والهيلينية، والفارسية، والكوكتشية، والعبرية، والعربية، والسريانية، والقبطية، والساراسينية، والأرمينية، والأيبرية، والمدغشقرية، والأيسلاندية، والمصرية، واليونانية، والايسوريانية، والاثيوبية، وغير ذلك من لغات لم افقه منها شيئا. ويبدو ان معظم القصائد دبج في اوزان اللغة القومية، والقيت بترنيم خاص من نبرات العلو والخفوت، نظراً لورود بعض الايقاعات والاصوات البربرية. أما الاغريقية فصدحت كأنها نجم ثاقب يتوهج في كبد الليل. ضج الحضور بالضحك على كل الاصوات الاجنبية، الغريبة، وبذا انتهى هذا العرض نهاية هزلية هو الآخر.

اليكم حكاية اخرى صغيرة تبين مدى الخفة التي تؤخذ بها المقدسات في روما المباركة. ذات مرة حضر الكاردينال الراحل الباني، واحدا من هذه القداسات التي وصفتها للتو. توجه احد طلاب العلوم الدينية الاجانب الى الكاردينال وقال بلسانه الغريب "كناجا! كناجا!"، فصدحت هذه الكلمات اشبه بالكلمات الايطالية "كانجيا! كانجيا!" (أي وغد، وغد!). التفت الكاردينال الى رهطه وقال:

"مؤكد ان هذا الشاب يعرفنا!"