2 آذار (مارس)




تسلقت اليوم جبل بركان فيزوف، وكانت السماء مدلهمة، والقمة خبيئة في الغيوم. اخذت عربة الى رسينان حيث امتطيت بغلاً، صاعداً الجبل عبر حقول الكروم. بعد هذا عبرت مشياً موضع الحمم المقذوفة عام 1771، التي تكسوها طبقة رقيقة، لزجة، من الاشنات، ثم صعدت حذاء الحمم. اخيراً بلغت الفوهة القديمة، المسدودة حاليا، وصادفت حمم البراكين الجديدة. بعض الحمم عمره شهران، وبعضه اسبوعان، وبعضه لا اكثر من خمسة ايام. والحمم الاخيرة لينة تماما، بل باردة ايضاً. عبرت هذا الموقع وتسلقت تلة من الرماد المقذوف حديثاً، والذي ما يزال ينفث الابخرة في كل مكان. ولما كان البخار يتطاير بعيداً عني، فقد عزمت ان احاول بلوغ الفوهة. ما ان قطعت خمسين خطوة حتى تكاثف الدخان ولم اعد أرى حتى حذائي. ولم يسعفني المنديل الذي اتخذت منه كمامة لأنفي. زد على هذا ان دليلي توارى عن الانظار، وبات خطوي متعثراً على كتل الحمم المقذوفة حديثاً. رأيت ان من الافضل لي ان اعود ادراجي بانتظار نهار اقل غيماً واخف دخاناً. ها انذا اعرف، في الاقل، صعوبة التنفس في مثل هذا الجو.

بخلاف ذلك كان الجبل على أتم السكون، فلم يبعث أي حمم، لم يطلق أي هدير، ولم يقذف أية حجارة، خلال الاسابيع التي سبقت وصولنا. وعلى أي حال فرغت من الاستطلاع حتى اتمكن من القيام بهجومي النظامي حالما يصحو الجو.

ان معظم المقذوفات البركانية التي وجدتها معروف عندي سلفاً، غير اني اكتشفت ظاهرة واحدة حيرتني بوصفها امراً استثنائياً، وانني لاعتزم استقصاءها عن كثب بعد اخذ مشورة الخبراء وجامعي المقذوفات البركانية. تلك هي بطانة المدخنة البركانية التي اقتلعت ذات مرة، غير انها انفجرت وانفتحت، مشرئبة من الفوهة القديمة، الممتلئة. ان كتل الحليمات العلوية، الرمادية، هذه، تبدو لي وكأنها نتاج تكاثف الابخرة البركانية الدقيقة، تكاثفاً تلقائياً من دون تدخل بلل الندى أو أي تفاعل كيمياوي. يؤلف لي هذا زاداً لمواصلة التفكير.