الاول من آذار (مارس)، المساء
ترى من عساه لم يجرب يوماً قراءة كتاب عابر قلب كيانه، بل رسم له مجرى حياته، ثم رأى، عند القراءة الثانية، والتأمل فيه من جديد، ان الكتاب لا يضيف لـه جديداً؟ (حصل لي هذا مرة مع ساكونتالا) أو لا يحصل الشيء نفسه في لقاءاتنا مع شخصيات بارزة؟
كيف اصف نهاراً كهذا النهار؟ جولة في قارب؛ طواف قصير في عربة؛ نزهة على الاقدام وسط اكثر المناظر في العالم اثارة للعجب؛ ارض غادرة تحت سماء نقية؛ اطلال ذات بهاء يبز الخيال، بغيضة وحزينة؛ امواه مضطربة؛ كهوف تنفث حمماً من غازات الكبريت؛ تلال مكسوة بمعدن البراكين، تمنع نمو كل ما هو حي؛ بقاع مجدبة ومنفرة، بعد هذا جاءت خضرة النبات، المتجذر أينما يمكن، الصاعد من قلب المادة الموات، مطوقاً البحيرات وبرك الماء، ماداً جموح غزواته الى اسوار حفرة قديمة، مؤسساً غابة نبيلة من البلوط.
هكذا تتقاذف المرء افعال الطبيعة، مثلما تتقاذفه افعال البشر. فالمرء يتوق الى ان يفكر، ولكنه يشعر بأنه اضعف من ان يستطيع. في غضون ذلك يواصل الاحياء عيشهم. ونحن بالطبع لا نفعل إلا الشيء نفسه في مواصلة العيش؛ غير ان لأهل الثقافة، الذين ينتمون الى العالم ويعرفون سبله، والذين تخدرهم الاحداث الجسام، ينزعون الى التأملات. وكلما غرقت في التأمل في مشهد لا متناه على الارض، أو البحر أو السماء، اثابني الى رشدي حضور سيدة لطيفة، ملؤها الود، اعتادت على ان تكون موضع اهتمامات الرجال، وهي أبعد ما تكون عن اللامبالاة بهم.
لم اغفل عن تدوين بعض الملاحظات خلال التنقل. ولأجل الطباعة في المستقبل وضعت خريطة عن الموضع، كيما نستخدمها، وهناك رسم سريع وضعه تيشباين يمكن ان يعيننا كثيراً. اعجز هذا اليوم عن اضافة كلمة اخرى.