31 آذار (مارس)




بزغت الشمس من البحر لتعلو في سماء صافية. وفي الساعة السابعة لحقنا بمركب فرنسي ابحر قبلنا بيومين. ورغم اننا كنا نبحر بسرعة أكبر منه، فان خاتمة رحلتنا لم تلح في الافق. وامدنا ظهور جزيرة اوستيكا ببعض التشجيع، إلا ان هذه الجزيرة، واأسفاه، تقع على ميسرتنا، وينبغي ان نتجاوزها مثل كابري، التي تقع على ميمنتنا. باتت الرياح الآن معاكسة تماماً لمجرى السفين، ولم نستطع ان نتحرك قيد انملة. هاج الموج، وارتفع، واصيب الكل تقريباً بالدوار.

بقيت مستلقياً في وضعي الافقي، وأنا اقلب وادير المسرحية في ذهني. مرت الساعات تلو الساعات، وأنا عاجز عن معرفة جلية الوقت في هذا النهار، لولا ان كنيب كان يأتيني بقصعة الخبز والنبيذ من حين الى آخر. ويبدو ان البحر العاتي لم يمس شهيته للأكل بالمرة، وكان يبدي تشفياً ملاطفاً في ذكر العشاء الرائع الذي تناوله الجميع، ومدى أسف القبطان لأني لا استطيع ان اكون معهم لتناول قسطي منه. واستمد كنيب ايضا مادة ثرة للوصف المتخابث من شتى ضروب تصرفات المسافرين، حيث اخلى المزاج الطروب، المرح، مكانه للانزعاج والغثيان.

في الساعة الرابعة عصراً، غيّر البقطان مسار الابحار. رفعت الاشرعة الكبرى ثانية، ومضت السفينة في خط مستقيم صوب اوستيكا، التي لاحت لنا، من ورائها، جبال صقلية، التي اشاعت فينا الفرح. باتت الرياح الآن مسايرة لنا، فزادت سرعة السفينة وهي تتجه صوب صقلية. مررنا بعدة جزر. كانت الشمس الغاربة ملفعة بغلالة شفيفة من غبش المساء. وبقيت الرياح مواتية على نحو لطيف. وبحلول منتصف الليل اضطرب البحر وهاج.