22 كانون الثاني (يناير)




أما بصدد الذائقة الفنية وسط افراد المستوطنة الالمانية هنا، فليس عندي ما اقول سوى: ان الاجراس تقرع مدوية، لكنها متنافرة.

يخيم عليّ اليأس حيناً، لحظة افكر في كثرة الاشياء البديعة المحيطة بنا، وقلة قدرتنا على الافادة منها. غير اني اتطلع متلهفاً الى العودة، والأمل في ان اقدر، في المرة القادمة، على ان أرى هذه الاعمال العظيمة رؤية اجلى، بعد ان اقتصرت حتى الآن على تلمس طريقي مثل اعمى.

لا يتوفر، حتى في روما، إلا القليل من الذخيرة المعدة لشخص يروم ان يدرس المدينة بأسرها دراسة جادة. ويضطر الدارس الى ان يغرف النزر اليسير من الشظايا المتفرقة، الكثيرة، بل الوفيرة حقاً. والحق، ان قلة من الزوّار تعني حقاً بالمشاهدة والتعلم في أي أمر هام. وتجدهم اسرى خيلائهم، ونزواتهم، وهذا ما يدركه بوضوح ساطع كل من يتعامل معهم. وان لكل دليل مقاصده الخفية من هذا الزائر أو ذاك، وكل دليل يريد ان يوصي بهذا التاجر أو ذاك، أو ان يروج لاعمال فنانه الأثير. وما الذي يمنع هذا عن اتيان ذلك؟ أولا يرفض الجهلاء ابدع أو خير ما يعرض عليهم؟

ولعل خير خدمة تقدم للدارس الجاد، ان تعمد الحكومة، قبل اعطاء الاذن بتصدير نحت فني من اعمال القدماء، على وجوب عمل قالب لهذا النحت. ويمكن جمع هذه القوالب في متحف خاص. ولكن حتى لو عنّ للبابا ان ينفذ هذه الفكرة، لأنقلب عليه اصحاب المهن والتجارة، لأن الصراخ على فقدان الكثير من الاعمال القيمة، الهامة، سيندلع بعد اعوام، خصوصا وان الاذن بتصديرها يمكن ان يستحصل باساليب خفية ملتوية.

لقد ثارت المشاعر الوطنية وسط مستوطنة الالمان، منذ بعض الوقت، وبخاصة منذ عرض مسرحية اريستوديمو. فلم يكفوا عن الترنم باناشيد الحمد والثناء لمسرحيتي: افيجيني. وتواترت الطلبات عليّ لقراءة نتف منها، فاضطررت آخر الامر الى ان اكرر قراءة النص كله. وحين فعلت ذلك، وجدت ان هناك ابياتاً لها وقع على السماع خير من وقعها على الورق، وهذا يبرهن ان الشعر لا يكتب للعين.

بلغت انباء هذه القراءة مسامع رايفنشتاين وانجيليكا، فجاني الرجاء الملحف بأن اقدم قراءة اخرى في منزلهما. طلبت امهالي اياماً، ثم قدمت عرضاً مسهباً عن فحوى الحكاية وتطور حبكتها. فكان هذا العرض اكثر تشويقاً عند اولاء المذكورين، بما فاق توقعاتي، بل ان السنيور زوكي، الذي لم اتوقع منه كبير اعجاب، ابدى اهتماماً صادقاً، عطوفاً. ويسهل تفسير اعجابه، نظراً لأن مسرحيتي تتفق، في المبنى والشكل، مع تقاليد الدراما الاغريقية والايطالية والفرنسية، اتفاقاً معيناً. ويجتذب هذا الشكل الاعجاب الشديد عند اولئك الذين لم يعتادوا على جرأة الدراما الانجليزية.