25 كانون الثاني (يناير)




مما يبعث على الاطمئنان ان يرى المرء كثرة الناس الذين يعيشون عيشاً ملؤه السكينة، حيث يعكف الواحد منهم على الغرق في مصالحه الخاصة. وجدت في بيت قس، كرس حياته للفن، وان يكن بلا موهبة اصيلة، نسخاً مثيرة من اعظم اللوحات، وهي نسخ كررها في صيغة منمنمات. ولعل افضل هذه النسخ، العشاء الاخير، بريشة ليوناردو دافنتشي. يظهر المسيح على المائدة مع حوارييه الخلص، وقد اختار الرسام اللحظة التي يطلق فيها المسيح نبوءته "يقينا، واحد منكم سيخونني".

احاول ان ابرم اتفاقاً لعمل حفر عن هذه اللوحة، أما باعتماد هذه النسخة أو غيرها. ولا ريب ان انتاج نسخة دقيقة لاطلاع الجمهور الواسع، سيكون اعظم عمل مبارك.

قبل ايام زرت قساً فرانسيسكانياً يدعى الأب جاكوير، وهو يسكن في ترينيتا داي مونتي. والأب جاكوير فرنسي المولد، ومعروف بكتبه في الرياضيات. وهو طاعن في السن، إلا انه بالغ اللطف والعطف. لقد عرف الكثير من كبارات الرجال في زمانه، بل امضى اشهراً مع فولتير، الذي احب هذا الأب كثيرا.

عقدت اواصر المعرفة مع كثرة من ذوي المكانة والسمعة من بين رجال الكهنوت. وثمة كثرة كاثرة منهم في الجوار، إلا ان ضرباً من الارتياب الكهنوتي يدفع الى تفادي الالتقاء ببعضهم.

ليست المكتبات هنا مراكز لتبادل الافكار، ولا تحتل الابداعات الادبية الجديدة نصيبها فيها. وعليه فخير ما يفعله الانسان المتوحد هنا ان يسعى الى لقاء النساك.

بعد نجاح مسرحية "اريستوديمو"، التي بذلت جهداً كبيراً في الترويج لها، وقعت ثانية في فخ الاغواء. وسرعان ما اتضح بجلاء ما بعده جلاء انهم لم يكونوا يقدرون شخصي لذاته، بل كانوا يسعون الى استخدامي اداة لتقوية حزبهم، ولو اني رضيت بهذا الحال وانحزت الى هذا دون ذاك، لما كنت لألعب إلا دوراً هامشياً، وجيزاً. ولما رأوا، الآن، ان استغلالهم اياي متعذر، تركوني في سبيل حالي، وها انذا امضي في طريقي بسلام.

نعم، لقد اكتسبت حياتي بيضة قبان، فحظيت بتوازن حصيف؛ لم اعد اخشى الاشباح التي اعتادت ان تتخذ مني لعبة. اهنأوا وافرحوا انتم ايضا؛ فذلك يمدني بسعادة كبرى تعينني على ان اقف على قدمي، وتدفعني الى العودة اليكم.