2 شباط (فبراير)
لا يسع المرء ان يقدر روعة النزهة في روما تحت ضوء القمر، ما لم يجرب ذلك بنفسه. فالكتل الهائلة من الضوء والظل تبتلع كل الموجودات، ولا يبقى منها سوى الخطوط العامة. لقد تمتعنا حتى الآن بثلاث ليال صافية، بديعة. وبدا مبنى الكوليسيوم جميلاً جمالاً آخاذاً. والمعروف انه مغلق ليلاً، إلا ان ثمة ناسك يعيش في مصلى صغير، كما ان هناك بعض الشحاذين اتخذوا من الدهاليز المتآكلة مستقراً للعيش. لقد اضرم هؤلاء ناراً في الطابق الارضي، حمل النسيم الخفيف دخانها الى الحلبة، فاسدل الدخان ستاراً على الاقبية السفلى، ولم يبق امام النظر سوى الكتل الهائلة من الطوابق العليا، التي كانت مشرئبة في العتمة. وقفنا عند قضبان مشبك الحديد ورحنا نراقب، بينما القمر يقف عالياً، منيراً، في كبد السماء. اخذ الدخان يتسرب، تدريجيا، من خلل الثقوب والمنافذ، فبدا في ضوء القمر مثل ضباب خفيف. كان المشهد مذهلاً. هذا هو نوع الانارة التي رأينا فيها البانثيون، والكابيتول، والساحة المطلة على كنيسة القديس بطرس، وغير ذلك من الساحات العظيمة والشوارع.
ان للشمس والقمر، مثل الروح البشري، مهمات خاصة يؤديانها هنا، خلافاً لما يفعلان في اماكن اخرى، فالكتل الصلدة، العملاقة تبادلانهما اختلاس النظرات.