17 شباط (فبراير)




صفت السماء من الغيوم خلال شهر شباط (فبراير) كله، عدا عن اربعة ايام ماطرة، وان الجو دافيء جداً عند انتصاف النهار. ويفضل الجميع الخروج من البيت. لقد كرسنا انفسنا حتى اللحظة الى الآلهة والابطال، أما الآن فقد حل اوان المناظر الطبيعية، وان جمال هذه النهارات يجتذبنا الى الريف. اتذكر احيانا كيف يحاول فنانو الشمال رسم سقوف معمولة من القش وقلاع خربة وتحويلها الى منظر، أو التقاط مؤثرات بصرية من الجداول، والاجمات والصخور المفتتة، لادخالها في الصورة، وعندئذ اتعجب من التغير الحاصل في ذاتي، خصوصا وان هذه الاشياء ما تزال عالقة بي بدافع العادة. أما خلال الاسبوعين الماضيين، فقد استجمعت شجاعتي، وتجولت في العراء مجهزا بقطع صغيرة من ورق الرسم قاصدا التلال والوديان التي تقع فيها الفيلات. واعكف على وضع تخطيطات لمواضيع جنوبية أو رومانية نموذجية، دون كثير تفاصيل، منتقياً إياها كيفما اتفق، وساعياً، بالاعتماد على الخط، الى اضفاء الضوء والظل عليها. بوسعي ان أرى بجلاء ما هو حسن وما هو أحسن، ولكن ما ان احاول ان اضعه على الورق حتى ينزلق متسرباً من بين اصابعي، فلا التقط الحقيقة، بل التقط ما اعتدت التقاطه. ان التقدم يستلزم الانضباط في المران المتصل، ولكن من أين لي الوقت الكافي لمثل هذا التركيز؟ مع هذا اشعر انني تحسنت من نواح عدة خلال هذين الاسبوعين من المثابرة والاجتهاد المندفع.

يحب الفنانون ان يلقوا عليّ الدروس، لأنني سريع الالتقاط. غير ان الفهم لا يشبه الفعل. فسرعة الاستيعاب ملكة ذهنية، أما فعل الشيء الصحيح فيقتضي ممارسة طول العمر. ومهما بلغت جهود الهاوي من الضعف، فان عليه ان يجانب اليأس. ان الخطوط القليلة التي ارسمها على الورق، وهي في الغالب عجولة ونادراً ما تكون دقيقة، تساعدني مع ذلك على الاستيعاب الاعمق للاجسام المادية. وكلما أمعن المرء في مراقبة الاجزاء بدقة وعن كثب، تسارع وصوله الى ادراك الكل.

ولا يجوز للمرء، على أية حال، ان يقارن نفسه بفنان، بل ان يمضي في طريقه الخاص. ان الطبيعة ترعى كل اطفالها: فوجود الاعظم لن يعيق وجود الادنى. اعني "ان الرجل الصغير يظل مع ذلك رجلاً". لنترك الامر عند هذا الحد.

قصدت البحر مرتين، الادرياتيكي مرة، والمتوسط مرة، لكني مررت بهما مروراً عابراً ليس إلا. ولسوف نتعرف على البحر بصورة اوثق عند وصول نابولي. ان كل ما فيّ قد بدأ الآن، بغتة، بالاندماج الواضح. لِم لم يحصل هذا قبلئذ؟ ولم يحصل بمثل هذا الثمن؟ عندي آلاف الاشياء، الجديد منها، والقديم، مما أود ان اخبركم به.