فيليتري، 22 شباط (فبراير)




قضينا وقتاً ممتعاً في الوصول الى فيليتري. قبل يومين ادلهمت السماء، وحمل الافق ما يعد بعودة الطقس الحسن، وهكذا كان. انقشعت الغيوم تدريجيا، وبرزت بقع زرقاء من السماء بين الحين والآخر، حتى اطلت الشمس اخيراً لتنير دربنا. مررنا بألبانو، وتوقفنا، قبل بلوغ جينزانو، عند بوابات منتزه، يمكن القول ان مالكه، الامير كيجي، يحوزه دون ان يرعاه. ولعل هذا مردّ رغبته في ان لا يرى احد هذا المنتزه. لقد تحول الى احراش بدائية ـ اشجار، وشجيرات، واعشاب، ودغل، ونباتات متسلقة، تنمو كما تشاء، متداخلة متعرجة، ساقطة، يابسة، أو متعفنة. ثمة سور عال يسد مدخل وادي المنتزه، غير ان هناك ايضا بوابة صغيرة من الحديد المشبك تتيح للناظر ان يرى سفح الوادي البعيد، والقلعة التي تكلل هامته. لا ريب ان هذا موضوع جميل لفنان موهوب.

حسبنا وصفاً. دعوني ان اضيف ان بمقدورنا ونحن هنا على هذا الكثيب، ان نرى جبال سيزي، ومستنقعات بونتين، والبحر والجزر. ثمة غيوم مدرارة تتجه صوب البحر، فوق المستنقعات، وتتراقص اشكال متغيرة من النور والظلال فوق القفر المائي المنبسط. وثمة اعمدة من الدخان تتصاعد من اكواخ مبعثرة، لا ترى إلا بالكاد، وهي تضفي اثراً جميلاً على المشهد عند ارتطامها باعمدة نور الشمس.

تربض فيليتري على تلة بركانية، تتصل من طرفها الجنوبي بتلال اخرى، وتطل على كل المشاهد المترامية في الجهات الثلاث الاخرى.

زرنا متحف الفارس بورجيا، الذي استطاع بفضل علائقه مع الكاردينال ومع مجمع التبشير في الفاتيكان، ان يجمع تحفيات بديعة ـ اوثان مصرية محفورة في اقسى انواع الصخر، وتماثيل معدنية صغيرة من فترات اقدم واحدث، ورسوم ناتئة على النحاس المطروق، التي احتفرت من المنطقة. وان هذه النحاسيات تقود المرء الى الاستنتاج ان الأقدمين هنا تميزوا باسلوب خاص بهم وحدهم.

ولاحظت وسط ركام الاشياء النادرة في هذا المتحف، صندوقين صغيرين ملونين من منشأ صيني. يحمل الصندوق الاول رسما يصور مجمل عملية تربية دود القز، ويحمل الثاني رسماً يصور زراعة الرز، وكلاهما ساذج من حيث الخيال، متقن من حيث التنفيذ.

اعرف ان من المعيب ألا يتردد المرء، كثيرا على هذه الكنوز لمعاينتها، وهي على هذا القرب الكبير من روما. عذري في ذلك مشقة الطواف في هذه الارجاء، وقوة الطلسم الذي يقيد المرء بدائرة روما السحرية. واذ كنا متوجهين الى نُزُلنا، مررنا بنساء جالسات عند عتبة منازلهن، هتفن بنا سائلات ان كنا نرغب في شراء بعض التحفيات. وحين ابدينا الاهتمام المتلهف، جئن لنا بقوارير قديمة لغلي الماء، وملاقط جمر، وغير ذلك من آنية المنزل التي لا قيمة لها، وانفجرن ضاحكات على خداعهن إيانا. استبد بنا الغضب باديء الامر، إلا ان دليلنا هدأ سورتنا، وابان ان هذه الحيلة ليست سوى تقليد قديم ينبغي ان يخضع لـه كل اجنبي زائر في كياسة وترحاب.

اكتب هذه السطور في نزل بائس، واشعر بالتعب والضيق الى حد يمنعني من المضي في الكتابة. واذن ـ طاب مساؤكم على احسن وجه!