15 آذار (مارس)
رغم انشغال هاكرت الدائم في التخطيط والرسم، فهو محب للرفقة مع الغير، وقد حبي بموهبة اجتذاب الناس، وتحويلهم الى تلامذة. ولقد كسبني أنا ايضا على هذا الغرار، بفضل صبره على مواطن ضعفي، وتوكيده لي على الاهمية الفائقة للدقة في الرسم، والمقاربة الواثقة، الصاحية للموضوع. وحين يرسم، يهييء ثلاثة انماط من الالوان المتدرجة جاهزة في متناول اليد. وبعد ان يستخدمها الواحد اثر الآخر، يبدأ بالخلفية وينتهي اخيرا بمقدمة اللوحة، وهكذا لا يعلم المرء من أين تنبجس الصورة. آه، لو كان ذلك يسيراً على الفعل مثلما يلوح! وقال لي بصراحته المعهودة: "عندك الموهبة، لكنك لا تعرف كيف تستخدمها. ابق معي ثمانية عشر شهرا، ولسوف تنتج لوحات تسّرك وتسرّ الآخرين." ألا تؤلف هذه الاقوال موعظة ثابتة لا يكف عن قولها لكل هواة الفن؟ بقي ان ننتظر لنر أي ثمر تعدني به هذه الموعظة.
ولا يكتفي هاكرت باعطاء الاميرة دروساً في الرسم فحسب، بل انهم يطلبونه في المساء لالقاء محاضرات في الفن، وغير ذلك من مواضيع ذات صلة، مما يدّل على الثقة الخاصة التي توليه إياها الملكة. ويستخدم هاكرت في احاديثه قاموس سولزر بمثابة كتاب تعليم، فيختار منه مقاطع أثيرة عنده أو مقنعة له.
ما كان يسعني إلا ان ابدي رضاي عنه، ولكن ما كان يسعني ايضا إلا ان ابتسم على حالي، في الوقت ذاته. فما اكبر الفرق بين انسان يرغب في ان يبني حياته من الداخل، وآخر يرغب في التأثير على العالم وتعليم الآخرين لاغراض محلية. لقد كرهت دوما نظرية سولزر، لأن مبادئها الاساسيدة باطلة، لكني ادرك الآن ان كتابه هذا يحوي الكثير مما يحتاج الناس الى معرفته. فالكثير من قطع المعلومات التي يقدمها، وطريقة التفكير التي ترضي سولزر القيم، تجعل كتابه جيداً بما فيه الكفاية لأناس المجتمع الراقي.
قضينا ساعات ممتعة مع اندريس، مرمم اللوحات القديمة، الذي جيء به من روما، وهو يعيش ايضا في القلعة القديمة. ويبدي الملك اهتماماً كبيراً بعمل هذا الرجل. لن احاول وصف براعته الفريدة في عمله، لأن عليّ ان ابدأ بتضخيم صعوبات مهمته، وما تتطلبه من عمل هائل للوصول الى حلول ناجحة.