22 آذار (مارس)
لولا ان طباعي الالمانية، وميولي الى الدراسة والممارسة بدل اللهو والعبث، هي التي تسوقني، لأطلت المكوث في هذه المدرسة طلباً للعيش الرضي، الهين، الهانيء، والتماس الفائدة منها. يمكن العيش عيشاً مريحاً، هنياً في هذه المدينة اعتماداً على دخل متواضع. وان موقعها ومناخها اكبر من أي ثناء؛ لكن هذا الموقع وهذا المناخ هما كل المنابع التي ينالها الاجنبي. بالطبع يمكن لمن يتوفر على الكفاية من الفراغ والمال والموهبة ان يستقر هنا ويهنأ بحياة من الرخاء. وهذا ما فعله السير ويليام هاملتون في ايام كهولته الغاربة. ان غرف الفيلا التي يسكن، والتي زينها باثاث على الذوق الانجليزي، بديعة، وان المشهد الذي يراه المرء من الغرفة الركنية لفريد حقاً. فهي تطل على البحر، وتقع كابري قبالتها، أما جبل بوسبيلبو فعن يمينها، قريباً من منتزه فيلا ريالي، وأما مباني الجزويت القديمة فعن يسارها، بينما يمتد في البعيد خط الساحل من سورينتو الى كيب منيرفا ـ ولعل المرء لن يعثر على شبيه بهذا الموقع في طول اوربا وعرضها، ولا مراء قي انه لن يجد مثل هذا الموقع وسط مدينة كبيرة.
أما الآن فان الحوريات الساحرات ينشدن من وراء البحر لاغوائي بترك هذه وغيرها من مئات المباهج، فان واتتنا الريح، ساغادر في نفس موعد هذه الرسالة ـ ولسوف اتجه شمالاً مثلما اتجه جنوباً.
ان الانسان مخلوق عنيد الروح، وفي هذه اللحظة اجدني في توق الى فضاءات مفتوحة بلا حدود. ليست المثابرة بل سرعة الادراك هي ما ينقصني تعلمه فما ان يتسنى لي ان امسك مادة ما من اناملها، حتى يقودني الاصغاء والتفكير الى ادراك كنه اليد كلها.
ومن غريب الصدف ان صديقا حدثني عن "فيلهلم مايستر"، ورجاني ان اواصل تأليفه. اشك في ان استطيع ذلك وأنا تحت قبة هذه السماوات، ولعلني اتمكن في اواخر كتبي من ان اتلقف شيئاً من هذا الهواء الرباني. وابتهل الى الله ان يعيني على انماء وجودي، واطالة الاغصان، وتفتح الازاهير، وافرة، جميلة. وان عجزت عن ان اعود وقد ولدت من جديد، فخير لي ألا اعود البتة.
رأيت اليوم لوحة بريشة كوريجيو، معروضة للبيع. وما تزال اللوحة تحمل مفاتن السحر، وان تكن ليست في احسن حال. وهي تصور العذراء والطفل في لحظة تردد الوليد بين ثدي الأم وبعض الكمثرى التي يقدمها له ملاك صغير ـ أو بتعبير آخر انها تصور "فطام المسيح". ذكّرني ذلك في الحال بلوحة "خطبة القديسة كاثرين"، وعندي قناعة بانها بريشة كوريجيو ايضا.