25 آذار (مارس)، عيد البشارة
رغم ان كنيب ابدى سروره لمرافقتي الى صقلية، فاني لاحظت ان هناك شيئاً في نابولي يعز عليه ان يفارقه. وبفضل صدقه، لم يطل بي الوقت لاكتشف ان هذا الشيء هو حلوة تعلق بها قلبه. وان حكاية تعرفّه على الحلوة مؤثرة حقاً. وان سلوك هذه الفتاة يشهد على سمو روحها: أما الآن فانه يريد مني ان أرى كم هي جميلة. رتبنا مكاناً للقاء اقصده، مصادفة، لتملي جمال مناظر نابولي. قادني الى سطح منزل يطل مباشرة على الجزء الادنى من المدينة، قبالة ارصفة الميناء، والخليج، وساحل سورينتو. ان منظور كل المواقع التي تندرج على اليمين تحجب ولا يمكن رؤيتها بسهولة إلا من هذا السطح.
وبينما كنا نتملى المنظر، انبجس رأس صغير، حلو، كنا نتوقعه، من ارضية السطح، فالمدخل الوحيد الموصل الى سطح المنزل هو فتحة مربعة توصد بغطاء. وحين خرج الملاك الصغير الى السطح، خطر لي بغتة ان بعض اساتذة الفن القدماء قد رسموا "ملاك البشارة" وبعثوه إلينا صاعداً من هذا الدرج.
ينعم ملاكنا هذا بقوام رشيق، ووجه صغير، فاتن، واخلاق حلوة، على السجية. وسررت لرؤية صديقي الجديد يرفل في السعادة تحت هذه السماء البديعة، قبالة اجمل المناظر في العالم.
وبعد ان انصرفت الفتاة، اعترف لي ان السبب الذي دفعه حتى الآن الى احتمال اوزار الفقر عن طواعية يرجع الى ان هذا الفقر اتاح لـه التمتع بحبها، وعلمه ان يقدر طريقتها البسيطة، المتواضعة، في العيش. أما الآن فانه مستعد للعمل على تحسين ظروفه، لا لشيء إلا لأن ذلك سيمكنه من ان يوفر لها ولنفسه حياة هانئة. توجهت الى التمشي عند شاطيء البحر. كنت اشعر بالسكينة والسعادة. بغتة عبرت في ذهني ومضة تتعلق بافكاري عن علم النبات. الرجاء ان تبلغوا هيردر انني اقارب اكتشاف سر النبات الاولي. كل ما اخشاه ألا يعترف احد بأن هذا النبات الاصلي هو منبع سائر الموجودات في عالم النبات. وان نظريتي الشهيرة عن الفلقات قد تبلورت الى حد كبير، يصعب بعده ان اضيف اليها جديداً.